بحث منهجي حول فلسفة ديكارت

كان رينيه ديكارت (1596 - 1650) عالم رياضيات فرنسيّ من الدرجة الأولى، ومفكرًا علميًّا وميتافيزيقيًّا أصيلًا؛ فقد طور تقنيات في الهندسة الجبرية (أو التحليلية)، وشارك في صياغة قانون الجيب للانكسار، وطوّر حساب تجريبي مهم لقوس قزح، واقترح حسابًا طبيعيًّا لتشكيل الأرض والكواكب، وشارك في فكرة أن العالم من المادة، ويمتلك بعض الخصائص الأساسية ويتفاعل وفقًا لبعض القوانين العالمية.[١] فلسفة ديكارت في اكتساب المعرفة.

 بحث منهجي حول فلسفة ديكارت.

بحث منهجي حول فلسفة ديكارت


 تأثر ديكارت في كل أعماله الأكاديمية بكل النظريات التي سادت قبل عصره، وأدرك أنه لا توجد طريقة معينة لاكتساب المعرفة، ورأى أن مهمته الرئيسية هي المهمة المعرفية التي تتمثّل في تحديد ما يمكن أن يكون، والمعرفة المعينة مثل نقطة الانطلاق نحو السعي النهائي للحقيقة، وحاول الوصول إلى المعرفة من خلال الشك؛ فهو من أكثر المتشككين.[١]

فلسفة ديكارت في قبول المعرفة من الفلاسفة.

 كان في صميم منهج ديكارت الفلسفي رفضه قبول سلطة الفلاسفة السابقين، وحتى أدلة الحواس، ويثقُ فقط بما كان يُنظر إليه بوضوح، ولا يقبل مجالًا للشك، وهذه النظرية عُرفت لاحقًا (بنظرية الشك الديكارتي أو الشك الزائد)، ويمكنه بناء المعرفة قطعة قطعة من دون أن يتسرّب الشك لأيِّ فكرة؛ من أجل الحصول على أساس متين للمعرفة الحقيقية وتبديد أيِّ شكّ.

 قواعد التفكير عند ديكارت.

حدد ديكارت أربع قواعد رئيسية لنفسه في التفكير، وهي:

لا تقبل أي شيء باستثناء الأفكار الواضحة والمتميزة.

قسّم كل مشكلة إلى العديد من الأجزاء المطلوبة لحلها.

اطلب أفكارك من البسيطة إلى المعقدة.

تحقق دائمًا بدقة من السهو.

 فلسفة ديكارت عن العقلانية.

 رفض ديكارت الحواس والإدراك من خلالها على أنها غير موثوقة، ولإثبات ذلك استخدم ما يسمى (بحجة الشمع)، والتي تدور حول فكرة أن جسم الشمع الذي له خصائص معينة، في الحجم واللون والرائحة ودرجة الحرارة وما إلى ذلك، تتغيّر هذه الخصائص عند ذوبانه، إلى الحد الذي يبدو لحواسنا أنه شيء مختلف تمامًا، ومع ذلك نعلم أنّه ما يزال في الواقع نفس قطعة الشمع؛ لهذا استنتج ديكارت أنّ الحواس يمكن أن تكون مضللة، وأنّ السبب والاستنتاج هما الوحيدان الموثوق بهما للحصول على المعرفة التي هي جوهر العقلانية، كما جادل ديكارت بأن الإدراكات الحسية تأتي بشكل لا إرادي، وبالتالي فهي خارجية عن الحواس، بالتالي فهي دليل على وجود عالم خارجي خارج العقل.[١]

 فلسفة ديكارت عن العقل والجسد.

 اعتقد ديكارت أن جسم الإنسان يعمل مثل الآلة، وأن له خصائص مادية للتمدد والحركة وأنه يتبع القوانين الفيزيائية، ويُشبّه عمل الآلة البشرية بآليات الساعة، ويمكن فهمه من خلال تفكيك قطعه ودراسته، ثم إعادة تجميعه معًا لرؤية الصورة الأكبر، وتُعرف هذه النظرية باسمِ (الاختزالية)، ومن ناحية أخرى، فإن العقل أو الروح كيان غير مادي ينقصه التمدد والحركة، ولا يتبع القوانين الفيزيائية، وقد كان ديكارت أول من صاغ مشكلة العقل والجسد بالشكل الذي توجد به اليوم، وأول من حدد بوضوح الفرق بين العقل بالوعي والوعي الذاتي، وميز ذلك عن الدماغ الذي كان المقعد المادي للذكاء، وبرغم أنه كان يشك في أنه يمتلك جسدًا، إلا أنه لا يشكُّ أبدًا في امتلاكه عقلًا؛ أي أنه كان يعتقد أن العقل والجسد منفصلان تمامًا، وهذا ما يعرف باسمِ (الثنائية الديكارتية).[١] فلسفة ديكارت الأخلاقية.

 وضع ديكارت قانونًا أخلاقيًا مؤقتًا خطط للعيش من خلاله بينما انخرط في شكّه المنهجي بحثًا عن اليقين المطلق، وأنشأ مدونة القواعد الثلاث، وهي:[٢] 

أنا أطيع قوانين وعادات بلدي، ومتمسّك بالديانة باستمرار، وأدير نفسي في كل الأمور الأخرى، وفقًا لأكثر الآراء اعتدالًا والمقبولة عمليًّا من قبل أكثر الناس عقلانية؛ لضمان عيش حياة معتدلة ومعقولة بعيدًا عن المعتقدات السابقة بسبب عدم اليقين منها، كما أن تصرفات الأشخاص العقلاء، الذين يتجنبون التطرف ويسلكون الطريق الوسطي، يمكن أن يوفر دليلًا مؤقتًا للعمل إلى أن يؤسّس معتقداته الأخلاقية بيقين مطلق.

أنا حازم وحاسم في العمل قدر الإمكان، وأتّبع حتى أكثر الآراء المشكوك فيها بمجرد أن أتبنّاها؛ وهذا يمنع البقاء في المكان نفسه ويُعزّز المسير قُدمًا في الطريق الصحيح. 

أُحاول إتقان نفسي عوضًا عن بناء الثروة، وتغيير رغباتي بدلًا من ترتيب العالم؛ هذا مبنيٌّ على إدراك أن كل ما في سيطرته هو أفكاره الخاصة ولا شيء آخر، ولتفادي الندم إذا لم يتحقّق شيء خارج عن إرادته.

منهج ديكارت وفلسفته الخاصة.

يعد ديكارت من طلائع من هجروا المنهج الأرسطي، واعتبر الحواس والإدراك مصادر غير صحيحة للعلم والمعرفة،[٣] كما تبنى منهج الشك في كل شيء حوله.

أنشأ أُسسًا معرفية جديدة مبنية على التفكير، وهذه الأسس مبنية على مقولة أنا أفكر إذن أنا موجود.

  يعتبر الموجد للفلسفة الحديثة؛ نظراً لأنه أول من صاغ النظرية الثنائية التي تتحدث عن العقل والجسد، وتحدث عن المعضلة المنبثقة منها، كما شجع العلم القائم على الملاحظة والتجربة.

تقوم فلسفته الثنائية على العقل الذي جوهره التفكير، والمادة التي محورها التوسع في الأبعاد الثلاثية.

في المواضيع التي تتحدث عن الله، والعقل، إضافةً إلى المادة تبنى فيها أساس الأفكار الفطرية، بينما الأمور الفيزيائية والفسيولوجية يرى أنها يجب أن تقوم على تجارب مادية.

أنكر رينيه المبادئ السحرية والصوفية.

تبنى نظرة إيجابية في قدرة العلم على تحسين حالة الإنسان، والقدرة على زيادة عمره.

قدم العديد من الأدلة التي تثبت وجود الله، وأن الله هو الحقيقة المطلقة في هذا الكون.[٣]

نظر ديكارت للهندسة على أنها العلوم الرياضية الأساسية، كما تمكن من استعمال المعادلات الرياضية التي تحتوي على النسب بين الأطوال في وصف الخطوط، وسميت هذه الطريقة بالهندسة التحليلية؛ والتي تستخدم الأساس الجبري لحل المشكلات الهندسية، فضلاً عن استخدام الهندسة لحل المسائل الرياضية، وسميت الإحداثيات التي استخدمت بهذه الطريقة بإحداثيات ديكارتية نسبة إليه.

في عام 1619م راودت ديكارت أحلام غريبة وكأنها ترسم له طريقه في الحياة، وتطلب منه تصحيح كل المعرفة، وما كان منه إلا أن بدأ بالفلسفة؛ لأنها ومن وجهة نظره تستمد العلوم الأخرى منها مبادئها.

أعطى نظرة جامعة حول الكون، وكان مفادها أن الكون شكل صريح من المادة يمتد في ثلاثة أبعاد (الطول، والعرض، والعمق)، حيث يعتقد أن هذه المادة مقسمة إلى جسيمات بحالاتها المختلفة؛ المتحركة والساكنة، والتي تحكمها قوانين الحركة التي فرضها الله.

أيدت القوانين الحركية نظريته أن المادة متحركة باستمرار في خط مستقيم، وعند اصطدامها تغير حركتها بأشكال منتظمة.

شبه ديكارت عمل جسم الإنسان بآلة ذات طابع مادي، والتي تتبع القوانين الفيزيائية على العكس من العقل والروح.[٣]

العقل يتحكم في الجسد، ولكن في ذات الوقت يؤثر الجسد على العقل، وهذا ما سمي بالثنائية الديكارتية.[٣]

 إنجازات ديكارت.

 برع ديكارت بالعديد من العلوم كالرياضيات، والفلسفة، فضلاً عن الفيزياء، والفسيولوجيا، حيث ابتكر العديد من النظريات والطرق العلمية، كما قام بكتابة عدة كتب، وفيما يلي نذكر أبرز إنجازاته:[١][٢] 

ابتكر الهندسة التحليلية المبنية على حل المشكلات الرياضية بطريقة هندسية، وحل المشاكل الهندسية بطريقة رياضية.

أوجد طريقة الاستنباط الاستنتاجي المعروفة القائمة على أساس الرياضيات، وتسري هذه الطريقة على جميع العلوم الأخرى، حيث تتألف من 4 قواعد وهي: 

o لا تسلم بصحة الأشياء إن لم تكن بديهية. 

o حلل المشكلة إلى أجزائها البسيطة. 

o التدرج من الأجزاء البسيطة إلى المعقدة في عملية الحل. 

o التأكد من المنطقية الحل وصحته. 

كتاب العالم؛ يتضمن 3 أقسام: الضوء (الطبيعة المرئية والمادية)، والإنسان (الفسيولوجيا)، بالإضافة إلى الروح، وعندما اقترب ديكارت من نشر هذا الكتاب سمع بإعدام جاليليو بسبب نظريته بأن الأرض تدور حول الشمس فتوقف عن نشره. 

خطاب حول المنهج؛ ضم هذا الكتاب حياة ديكارت، وجزءًا من الفلسفة الحديثة الخاصة به، كما كتب الكتاب بلغته الأصلية الفرنسية؛ حتى يتيح العلم والمعرفة لكل من أراد، حيث إنه يؤمن بأن جميع الناس قادرة على التفرقة بين الخطأ والصواب باستخدام العقل.

كتب 3 مقالات مرافقة للخطاب حول المنهج بين فيها؛ الأسلوب المتبع في استخدام العقل، والأرصاد الجوية فسر قوس قزح، عدا عن نظرية الهندسة التحليلية الخاصة به. 

تأملات في الفلسفة الأولى؛ برهن فيها أن الله موجود، وأن الروح لا تفنى، ويتميز هذا الكتاب بكونه استعمل الشك المنهجي؛ وهو أسلوب مبني على رفض جميع المعلومات والشك بصحتها.

عواطف الروح؛ حيث يدرج ديكارت في هذا الكتاب أن العقل موجود داخل الجسد، وأن الروح هي من تعطيه صفة الحياة، كما يبين فيه أن حركات الجسم المختلفة تسبب الإحساس بالشيء، وتنشئ العاطفة في الروح.[٤]


إرسال تعليق

أحدث أقدم